فاطمة الزهراء أفقير
يُعـرف على المغاربة أنهم شعب مجبول على التضامن فيما بينه، ليس فقط خلال الأزمات بل في أيام الرخاء أيضا، فبالرغم من مظاهر الحضرية والنزعة الفردانية التي بدأت تزحف على المجتمع المغربي، إلا أن ذلك لم يجتث التكافل الاجتماعي متعدد الأنماط من بنيته. ولعل هذا ما قد يفسر تعرض المواطنين في أحايين كثيرة إلى أعمال نصب واحتيال، عبر استغلال تمسكهم بهذه القيم النبيلة.
ويتخذ النصب على أصحاب القلوب الرحيمة، أشكالا عديدة، غير أن استغلال ممتهني هذه الحرفة الجديدة الدين واللعب على هذا الوتر لجمع تبرعات عينية بدعوى بناء المساجد يبقى الأكثر خطورة، وهو ما يهدد استمرار الأعمال الخيرية ويمكن أن يعصف بالانخراط التلقائي للمغاربة في التعاون على بناء “بيوت الله” والمبادرة إلى الخير.
ويلاحظ في الآونة الأخيرة استفحال هذه الظاهرة التي يتخذها محترفوها مطية للاستغناء وتحقيق مآرب شخصية، عبر إطلاق نداءات سواء بين مقربيهم أو على مستوى منصات التواصل الاجتماعي لضمان مشاركة الجالية المغربية المقيمة بالخارج، بغرض جمع مساهمات مالية بدعوى تشييد المساجد، وهو ما يجعلهم أمام مخالفة صريحة للقانون الذي يجرم الإثراء غير المشروع.
ويؤطر التماس الإحسان العمومي، ضوابط قانونية خاصة، تلزم أصحابه بتبليغ السلطات الحكومية عن طريق الإدارة الترابية، بطبيعة التظاهرة والغرض المخصص للأموال المراد جمعها وتاريخ التظاهرة ومكان إجرائها وبرنامجها، علاوة على هوية وصفة الأشخاص الذاتيين المكلفين بجمع الأموال.
استغلال للدين
النائب البرلماني عن فريق التقدم والاشتراكية، حسن أومريبط، رصَد وجود خروقات في هذا الباب، مؤكدا أن أشخاصا غير معروفين يستغلون الدين في النصب على المواطنين لجمع تبرعات مادية لبناء وإصلاح مساجد وهمية.
وأفاد أومريبط، بأن التبرعات المالية “تعد من بين الأعمال الصالحة التي تساعد في تحقيق سعادة الفرد والمجتمع، ولها أهمية كبيرة في تجاوز الإكراهات الاجتماعية وتعمل على تقوية أواصر التضامن والتعاضد وسط المجتمع، كما تزداد مكانتها عندما يتعلق الأمر ببناء المساجد التي لها مكانة محورية في ديننا الحنيف وفي التنشئة الاجتماعية السليمة”.
كما سجل برلماني التقدم والاشتراكية، أن طريقة جمع التبرعات من قبل أشخاص غير معروفين في المقاهي ومختلف الأماكن العمومية، أضفى على هذه العملية طابع العشوائية والفوضى، خصوصا وأن ذوي النيات السيئة يعمدون إلى جمع “الصدقات” عبر التجوال في الأسواق والشوارع ومختلف المرافق العمومية، حاملين لافتات تضم صورا وأسماء مساجد وهمية، دون معرفة مصير الأموال المتحصل عليها، وهو ما يتناقض مع قانون جمع التبرعات الخيرية واللجوء إلى الإحسان العمومي وجمع وتوزيع المساعدات المالية والعينية.
ضوابط قانونية
وينص القانون رقم 18.18 على أنه لا يجوز دعوة العموم إلى التبرع إلا من قبل جمعية أو عدة جمعيات مؤسسة بصفة قانونية ومسيرة طبقا لأنظمتها الأساسية، غير أنه يجوز، بصفة استثنائية، دعوة العموم إلى التبرع وجمع التبرعات من قبل مجموعة من الأشخاص الذاتيين، إذا كان الغرض من ذلك تقديم مساعدات عاجلة لفائدة شخص أو أكثر في حالة استغاثة عند وقوع كوارث أو آفات أو حوادث ألحقت بهم أضرارا، شريطة الحصول مسبقا على ترخيص بذلك من قبل الإدارة. وفي هذه الحالة
كما يلزم القانون الجهة التي دعت إلى التبرع بإخبار العموم، بأية وسيلة من الوسائل المتاحة، بما تحصل من عملية جمع التبرع، مع أحقية كل متبرع في الاطلاع لدى الجهة المرخص لها بجمع التبرعات على حصيلة العملية والتأكد من انفاقها في الأغراض المخصصة لها، وكذا ضرورة احتفاظ الجهة المرخص لها بجمع التبرعات بالسجلات والوثائق والبيانات المالية المرتبطة بالعملية، وذلك لمدة لا تقل عن خمس سنوات.