متايعة
بناء على ما تم تسجيله أسابيع قبل عيد الأضحى المبارك من انخفاض في عدد الإصابات الإيجابية بفيروس كورونا المستجد وتراجع عدد الوفيات، أمام حرص جزء كبير من المواطنات والمواطنين على الالتزام بالإجراءات الاحترازية والحاجزية المتخذة من قبل السلطات العمومية، وما تحرزه الحملة الوطنية للتطعيم من تقدم واتساع دائرة الفئات المستهدفة تدريجيا حسب توفر اللقاحات. بادرت الحكومة في وقت سابق إبان فاتح يونيو 2021 إلى التخفيف من القيود المرتبطة بالجائحة في انتظار تحقيق المناعة الجماعية وعودة الحياة إلى سيرها الطبيعي. إذ تم الإذن بفتح الحدود البحرية والجوية ابتداء من منتصف شهر يونيو، والسماح باستئناف عديد الأنشطة وإقامة الحفلات والأعراس وغيرها، مع ضرورة الإبقاء على احترام التدابير الوقائية، حفاظا على صحة وسلامة الجميع…
بيد أنه وبالنظر إلى ما لوحظ من تراخ واستهتار لدى غالبية المغاربة وخاصة في المدن الكبرى، الذين اعتقدوا واهمين أننا صرنا خارج منطقة الخطر، وسارعوا إلى التخلص من وضع الكمامات واستعمال المعقمات الكحولية واحترام التباعد الجسدي، سواء في الأسواق أو في الحافلات أو في المقاهي والمطاعم أو في القيساريات أو في الشواطئ أو في الأعراس، فإن المنحنى الوبائي لم يلبث أن عاد للارتفاع بشكل لافت ومقلق. حيث أنه في أقل من أسبوعين من قرار التخفيف، تجاوزت الإحصائيات الرسمية سقف الألف إصابة يوميا بجائحة “كوفيد -19” ناهيكم عن عدد الوفيات مع ظهور سلالات متحورة خطيرة وسريعة الانتشار من قبيل متحور “دلتا”.
وبالرغم من كل التنبيهات والتحذيرات المعتمدة من قبل وسائل الإعلام وبلاغات وزارة الصحة، الداعية جميعها إلى التقيد بالإجراءات الاحترازية والتعجيل بتلقي اللقاح، مع المزيد من توخي الحيطة والحذر، تفاديا لوقوع انتكاسة وبائية من شأنها أن تعصف بكل المجهود الوطني الذي استمر في إطار من التضامن الواسع منذ ظهور أول حالة ببلادنا، فإن الحالة الوبائية للأسف الشديد لم تزدد إلا استفحالا، لنصل على إثر ذلك قبل حلول العيد إلى حوالي 4 آلاف حالة في اليوم فضلا عن تزايد عدد الحالات الحرجة بأقسام الإنعاش وعدد الوفيات، ومازال الوضع الصحي مرشحا إلى مزيد من التدهور، مما اضطرت معه الحكومة للعودة ثانية إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات ابتداء من يوم ثالث عيد 23 يوليوز 2021 على الساعة الحادية عشرة ليلا، ومن بينها منع إقامة مراسم التأبين وعدم تجاوز عشرة أشخاص كحد أقصى أثناء عملية الدفن، وإلغاء تنظيم جميع الحفلات والأعراس…
وهو القرار الذي أثار الكثير من التذمر والاستياء في أوساط الأسر وخاصة أرباب قاعات الأفراح والمشتغلين في الأعراس، الذين بمجرد ما استبشروا خيرا بعودة الدفء إلى جيوبهم حتى نزل على رؤوسهم الخبر كالصاعقة المباغتة والمدمرة، لاسيما أنهم يشكلون الفئة الأكثر تضررا من تفشي جائحة “كوفيد -19″، والتي لم تستفد لا من دعم صندوق كورونا عن التوقف الاضطراري، ولا بالسماح لها بمزاولة أنشطتها عند المرور إلى المرحلة الثالثة من مخطط تخفيف الحجر الصحي في الصيف الماضي، الذي شمل فتح المقاهي والمطاعم والأسواق الكبرى والشواطئ وجميع الأمكنة التي يكثر فيها الازدحام ويقل بداخلها النظام، ما عدا المهن المرتبطة بالأعراس والحفلات التي يمكن التحكم في تنظيمها وفق الضوابط الصحية المطلوبة، لتظل وضعية المنتمين إلى القطاع جد متأزمة على مدى عام كامل.
وليس وحدهم أرباب قاعات الحفلات والعاملون بها من “نكافات” وندل إلى جانب العرسان وأسرهم، من أصيبوا بخيبة أمل كبيرة وصدموا بقرار الحكومة القاضي بإغلاق قاعات الحفلات ومنع الأعراس، وهم الذين لم يمض على تنفسهم الصعداء سوى بضعة أسابيع من استئناف أنشطتهم، لاسيما أن الكثيرين منهم ليس لديهم من مورد رزق آخر غير هذه الحفلات والأعراس الموسمية، وأن هناك عديد القاعات حصل أصحابها على تسبيقات من زبنائها وعملوا على اقتناء ما يلزم من تجهيزات وبضائع لاستقبال المدعوين والضيوف، دون أن يرافق القرار الحكومي أي إجراء آخر يأخذ بعين الاعتبار مثل هذه الأضرار وسواها من الآثار السلبية على حوالي مليوني شخص الذين سينضافون إلى طوابير العاطلين، ثم كيف سيكون عليه الحال من إحراج وتعقيدات بين أصحاب القاعات والعرسان من جهة، وبين العرسان والمدعوين من جهة ثانية؟
بل هناك كذلك مغاربة كثر استنكروا تمادي الحكومة في اتخاذ قرارات مصيرية بكثير من التخبط والارتجال، دون مراعاة الأوضاع المزرية التي أصبح عليها المهنيون من المهددين بالإفلاس والعاملون معهم. فهل لدى العثماني ومن معه من مدبري الشأن العام حساسية مفرطة تجاه الأفراح والمسرات، ولا يريدون لأبناء هذا الشعب إلا العيش في كنف البؤس واليأس والأحزان؟
إننا وبقدر ما بتنا أكثر تطلعا إلى انفراج الغمة وعودة البسمة إلى شفاهنا والفرح المفقود إلى قلوبنا، للخروج من دائرة البؤس والحرمان والوضع المقلق، بفعل تنامي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية، جراء انتشار الفساد وسوء توزيع الثروة الوطنية وغياب العدالة الاجتماعية وانعدام المساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب في التعليم والصحة والشغل، واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية… بقدر ما نحن بحاجة في ظل الظروف العصيبة التي تمر منها بلادنا والعالم من حولنا، إلى ضرورة احترام الإجراءات الاحترازية وتلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا، حتى يمكن تحقيق المناعة الجماعية ونفرح جميعا بعودة الحياة إلى سابق عهدها. فهل من آذان صاغية؟ !