رسالة مفتوحة من مصطفى بنعودة إلى عامل إقليم الدريوش حول نموذج تنموي يراعي الإنسان والمجال

مصطفى بنعودة: فاعل مدني وسياسي

الأسس الخمسة لبناء تنمية ترابية مندمجة بإقليم الدريوش

بصفتي عضوا سابقا بجماعة الدريوش وفاعلا مدنيا وسياسيا بالإقليم، ولازلت أتابع باهتمام مستمر مختلف المستجدات الوطنية بصفة عامة، وتطورات الشأن المحلي بإقليم الدريوش بصفة خاصة، فقد سعيت من خلال هذه الورقة إلى المساهمة في النقاش الوطني حول تجديد النموذج التنموي الترابي، استلهاما من التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى إعطاء نفس جديد للتنمية الترابية المندمجة.

وانطلاقا من تجربة ميدانية في التدبير المحلي والعمل الجمعوي، حاولت أن أبرز خمس نقاط أساسية أعتبرها مرتكزات ضرورية لخلق جيل جديد من التنمية الترابية بإقليم الدريوش، قائم على الكفاءة، والنزاهة، والعدالة المجالية، والمشاركة المواطِنة الفاعلة.

هذه النقاط تمثل دعوة مفتوحة لكل الفاعلين السياسيين والمدنيين والمؤسساتيين إلى الانتقال من منطق التسيير التقليدي إلى منطق التخطيط الاستراتيجي المندمج، بما ينسجم مع روح النموذج التنموي الجديد ورؤية الدولة المغربية في تحقيق تنمية متوازنة وشاملة.

أولا: تحقيق أهداف التنمية الترابية المندمجة بالدريوش لا يمكن أن يتم بمعزل عن نخبة سياسية محلية واعية ومؤهلة تمتلك الرؤية والكفاءة والمعرفة الكفيلة بمواكبة إعداد الجيل الجديد من النماذج التنموية الترابية وتنفيذها وتقييمها. لقد أظهرت التجربة أن إعادة الرهان على نفس الفاعلين السياسيين الذين تعاقبوا على تمثيل الساكنة لسنوات طويلة دون امتلاك رصيد سياسي أو فكري حقيقي، باستثناء رصيد قائم على المصالح الضيقة وشراء الذمم، لم يسهم في تحقيق التحول المنشود.

ومن هنا تبرز الحاجة الملحة إلى تأسيس مركز للتأهيل والتنمية السياسية المحلية، يهدف إلى إعداد جيل جديد من الفاعلين السياسيين المحليين القادرين على مواكبة التحولات التنموية، والمشاركة الفاعلة في صياغة وتقييم السياسات العمومية الترابية على أسس من النزاهة والمعرفة والكفاءة.

ثانيا: إلى جانب تجديد النخب السياسية، تبرز ضرورة امتلاك مجتمع مدني فاعل ومهني يشتغل وفق مقاربة حديثة ومندمجة، تقوم على المساهمة الحقيقية في التنمية الترابية عبر المبادرة، واقتراح المشاريع، وجلب الرساميل والاستثمارات إلى إقليم الدريوش، بدل الاكتفاء بمنطق الاتكالية وانتظار الدعم من رؤساء الجماعات. فالمجتمع المدني، حين يدار بعقلية المبادرة والشراكة، يشكل رافعة أساسية لإنجاح النموذج التنموي المحلي وتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات.

ثالثا: من الإشكالات العويصة التي أعاقت تحقيق التنمية الترابية المتوازنة في إقليم الدريوش، تشتيت المصالح والمرافق العمومية بين جماعتي الدريوش وميضار، ليس على أساس من التخطيط الترابي الرشيد أو الدراسة المسبقة للاحتياجات المجالية، بل غالبا بمنطق إرضاء الخواطر والتوازنات السياسية.

هذا الوضع غير السليم جعل المواطن يعيش حالة من المعاناة اليومية في التنقل بين الجماعتين قصد الاستفادة من الخدمات الإدارية أو الصحية أو الاجتماعية، مما يضعف من فعالية الأداء المؤسساتي ويكرس الازدواجية في المرفق العمومي.

إن تجاوز هذه الإشكالية يتطلب اعتماد منطق التخطيط الترابي المندمج القائم على العدالة المجالية في توزيع المرافق العمومية، وربطها بمعايير الكثافة السكانية والجدوى التنموية، بدل الاستجابة للاعتبارات السياسية أو الحزبية الضيقة، بما يضمن خدمة المواطن في إطار المساواة والإنصاف الترابي.
رابعا: كما أن تحقيق التنمية الترابية المندمجة يستوجب تغليب الدافع التنموي والمصلحة العامة على الدافع السياسي الضيق، وامتلاك إرادة حقيقية لخدمة الصالح العام بعيدًا عن الحسابات الانتخابية أو المصالح الشخصية. فقد عانى سكان إقليم الدريوش طويلا من هيمنة منطق المصلحة الفردية، حيث خرجت أغلب النخب السياسية منتصرة بمكاسبها الخاصة، ومنهزمة بوعودها الانتخابية، وهو ما عمق فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسة السياسية، وأضعف الفعل التنموي في الإقليم. ومن هنا، فإن أي نموذج تنموي ترابي ناجح يقتضي بناء ثقافة سياسية جديدة قائمة على الالتزام والمسؤولية والنزاهة والفعالية في خدمة المواطن.
خامسا: من بين الإشكالات البنيوية التي عانى منها إقليم الدريوش لعقود، هيمنة الطابع القبلي في تدبير الشأن المحلي، حيث طغت الاعتبارات القبلية والعلاقات العائلية على منطق الكفاءة والمصلحة العامة. وقد انعكس هذا الواقع سلبا على مسار التنمية الترابية، إذ تم أحيانا تغليب الولاءات والانتماءات القبلية على أسس الحكامة والتخطيط العلمي، مما أدى إلى تفتيت الجهود التنموية وغياب التنسيق بين مختلف الفاعلين.
إن تجاوز هذا الوضع يتطلب الانتقال من منطق الانتماء الضيق إلى منطق المواطنة والتنمية المشتركة، وترسيخ ثقافة مؤسساتية قوامها العدالة المجالية وتكافؤ الفرص والاعتراف بالكفاءة كمعيار أساسي في تحمل المسؤولية.

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 - 23:34

النائبة البرلمانية توجه سؤالاً كتابياً لوزيرة إعداد التراب الوطني حول المنازل الآيلة للسقوط بحي تيدنسيا في الدريوش

الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 - 23:12

جماعة الدريوش تعتمد قراراً جديداً لتوحيد صباغة واجهات البنايات باللونين الأبيض والأزرق

الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 - 15:49

الحكومة تزف بشرى سارة لسائقي الدراجات النارية: “البيرمي” بـ 200 درهم فقط بدل 3000!

الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 - 15:22

المنتخب المغربي الرديف يفتتح مشواره في كأس العرب 2025 بفوز ثمين على جزر القمر