بين الحنين إلى الوطن وشوق اللقاء، يشدّ الآلاف من مغاربة العالم الرحال نحو بلدهم الأم، محمّلين بالعواطف والآمال، لكن ما ينتظرهم في ميناء بني أنصار بالناظور لا يمت بصلة لحفاوة الاستقبال التي يستحقونها. فبمجرد عبورهم من الميناء، يستقبلهم واقع آخر: رادارات السرعة، تفتيشات صارمة، وغرامات مالية قد تُفرض حتى قبل أن يصرفوا أول يورو من عملاتهم الصعبة.
صورة تتكرر كل صيف، وتفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات كثيرة حول المعاملة التي تُخصّ بها هذه الفئة التي تشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، من خلال تحويلاتها المالية السنوية، ودورها المهم في دعم عجلة الإنفاق خلال موسم الصيف.
ورغم أن الرادارات، في أصلها، أداة لحماية الأرواح والحد من الحوادث، إلا أن طريقة استخدامها تثير الشكوك. فبدلاً من اعتمادها وفق معايير قانونية واضحة وشفافة، يتم في حالات كثيرة تشغيلها بشكل عشوائي، بل ويحملها بعض عناصر الأمن بأيديهم، بعيدًا عن أي تثبيت رسمي، ما يُضعف مصداقية نتائجها ويجعلها محل طعن قانوني وأخلاقي.
الأدهى من ذلك، أن العديد من السائقين يؤكدون غياب علامات تشوير تنبه إلى وجود المراقبة، وهو ما يُخالف بوضوح المقتضيات القانونية. كما أن “عنصر المعاينة” كثيرًا ما يكون غائبًا، إذ تُسجل المخالفة في نقطة معيّنة، بينما يتم إيقاف السائق بعد مسافة طويلة، دون شرح أو توضيح.
في ظل هذه الممارسات، يشعر عدد من أفراد الجالية بأنهم مُستهدفون لا مُرحّب بهم، وأن الدولة تُسرع إلى فرض الغرامات بدل تقديم التسهيلات. واقع يجعل لحظة العودة، التي يُفترض أن تكون مناسبة للفرح والارتباط بالوطن، مُثقلة بالإحباط والاستياء.
فهل من المعقول أن يبدأ المواطن المغترب عطلته في المغرب وهو يبحث عن ماكينة صرف عملات فقط ليدفع غرامة لم يُبلّغ بها أصلًا؟ وهل هذا هو الانطباع الذي نريد ترسيخه في أذهان مغاربة الخارج بعد سنوات من الغياب؟
أسئلة موجعة تستدعي مراجعة حقيقية لطريقة التعامل مع هذه الفئة، وإعادة ترتيب أولويات المراقبة الطرقية بما يضمن احترام القانون دون المساس بكرامة المواطن.
قد حان الوقت لإرساء توازن واضح بين سلامة الطرق، واحترام كرامة العائدين، بدلًا من أن يتحول “صيف الوطن” إلى “صيف الغرامات”.