ساكنة إيدودير تعبد الطريق وتُوجه رسائل صامتة للمسؤولين: إن نُسينا فلن ننسى أنفسنا

بينما تسير مدن مغربية كبرى بخطى متسارعة نحو التحضير لمونديال 2030، وتغدق عليها الاستثمارات والمشاريع الكبرى، تختار مناطق أخرى أن تشق طريقها بأيديها، بعيدًا عن عدسات الإعلام وأوراش الدولة. دوار “إيدودير” الواقع بجماعة أيت براييم بإقليم تزنيت، يقدم درسًا بليغًا في الإرادة الشعبية، بعد أن قرر أبناؤه أن لا ينتظروا، وأن يبادروا بأنفسهم لفك العزلة عن قريتهم المنسية.

ففي غياب الدعم العمومي وتراكم الإهمال، لم يعد الانتظار مجديًا. حمل السكان معاولهم، وتعاونوا على تعبيد الطريق المؤدية إلى دوارهم، مستعينين بإمكانياتهم الذاتية وروحهم الجماعية، في مشهد نادر الحدوث لكنه بالغ الدلالة. الصور والفيديوهات التي انتشرت صباح اليوم على منصات التواصل الاجتماعي لم تكن فقط توثيقًا للعمل، بل كانت أيضًا رسالة قوية: “من نسي الهامش، الهامش لن ينسى نفسه”.

ما حدث في إيدودير ليس مجرد ورش تطوعي، بل هو تعبير صريح عن عمق الفجوة بين خطاب التنمية وواقعها الميداني. فبينما تُرسم خرائط الاستثمار في الرباط والدار البيضاء، تبقى قرى بأكملها خارج الحساب، تُركت لأقدارها، تُسائل السياسات العمومية عن نصيبها من الوطن.

الرمزية هنا تتجاوز فعل التبليط اليدوي. إنها فعل مقاومة صامتة ضد اللامبالاة، صرخة لا تخرج من حناجر غاضبة، بل من معاول بسيطة تحفر في الأرض لتشق طريقًا نحو الكرامة. وكأن هؤلاء القرويين أرادوا أن يقولوا: لسنا بحاجة لمواكبة المونديال، نحتاج فقط طريقًا تمر منه سياراتنا، ومدرسة قريبة، ومستوصفًا لا تغلق أبوابه.

لقد جاء خطاب العرش الأخير واضعًا اليد على الجرح حين أشار إلى “المغرب المنسي”، ودعا إلى تحقيق العدالة المجالية، لكن إيدودير يقول اليوم: “نحن موجودون، وهذه رسالتنا”. ومن هنا، يصبح من الضروري ألا تمر هذه المبادرات مرور الكرام، بل أن تُقرأ بعمق، وتُحوّل إلى دافع حقيقي لمراجعة منطق التوزيع التنموي القائم.

فإيدودير لا تطلب صدقة ولا ترفع شعارات، بل تحفر طريقًا، وتترك أثرًا، وتُعطي درسًا. ولعل السؤال الأهم الآن: هل سيلتقط صناع القرار هذه الإشارة؟ أم سيُترك الهامش ليصنع طرقه لوحده إلى الأبد؟

 

مقالات ذات صلة

الأربعاء 6 أغسطس 2025 - 23:49

صيف الغرامات.. هل هذا ما يستحقه مغاربة العالم عند عودتهم؟

الأربعاء 6 أغسطس 2025 - 20:38

منعرج الموت ببني شيكر يحصد أرواحا جديدة.. حادثة مروعة تخلف قتيلين وثلاثة جرحى

الأربعاء 6 أغسطس 2025 - 16:38

عطلة الموظف تشل مصالح المواطنين وثغرات في تدبير الموارد البشرية بالجماعات الترابية

الأربعاء 6 أغسطس 2025 - 16:32

المحكمة الدستورية تسقط مواد من قانون المسطرة المدنية بسبب خروقات دستورية خطيرة