عن عمر ناهز 105 سنوات، غادرت الحياة فاظمة الوذراري، الممرضة الناظورية التي وهبت شبابها وعطاءها لرعاية جرحى الثورة الجزائرية، واحتضان المقاومين في بيتها المتواضع، دون أن تسعى يوماً إلى شهرة أو اعتراف رسمي.
وأكد الصحفي الجزائري وليد كبير خبر وفاتها، مستحضراً في رثائه مسارها النبيل، ودورها الكبير في مرحلة دقيقة من تاريخ الكفاح المشترك المغربي الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، حين لم تكن الحدود تعني شيئاً أمام وحدة الهدف والمصير.
تنحدر فاظمة من قبيلة بني انصار بإقليم الناظور، وكانت تقيم في منزل الشهيد المغربي محند الخضير الحموتي، المعروف بـ”المقاوم الإفريقي”، حيث تحوّل البيت إلى محطة آمنة للثوار الجزائريين، ومكان للعلاج والمبيت، بل مستشفى ميداني بدائي قادته فاظمة بمعرفتها المتواضعة في التمريض التي اكتسبتها قرب مليلية.
ومن أبرز محطات عطائها، أنها استقبلت سنة 1955 القيادي الجزائري محمد بوضياف، الذي كان مصاباً بجروح خطيرة، وتكفلت بعلاجه والاعتناء به إلى أن تعافى. ورغم أن الزمن فرق بينهما، فقد ظل بوضياف يذكرها بالخير، وحين أصبح رئيساً للجمهورية الجزائرية سنة 1992، عبّر عن حزنه لعدم لقاء تلك السيدة التي كانت جزءاً من ذاكرة نضاله، واختار استقبال عائلة الحموتي في قصر المرادية تكريماً لها.
ورغم كل ما قدمته من تضحيات، ظلت فاظمة الوذراري في الظل، ولم تُكرم من أي جهة رسمية جزائرية، كما لم تُذكر في المناسبات الوطنية أو في أرشيف الثورة، في مشهد من النسيان المتعمد لأسماء ساهمت من الخلف، بصمت وإخلاص.
ولم يُخفِ الصحفي وليد كبير استياءه من هذا التجاهل، منتقداً المؤسسات الجزائرية التي تجاهلت امرأة خدمت ثوارها بإخلاص، واعتبر أن فاظمة تمثل نموذجاً لنساء قدّمن الكثير دون أن يُنصفهن التاريخ.
رحيل فاظمة لم يكن مجرد حدث عابر، بل أعاد إلى الواجهة ملف الذاكرة المشتركة بين المغرب والجزائر، وطرح تساؤلات حول من يحق له أن يُخلّد، ومن يُقصى من صفحات التاريخ، رغم عظم ما قدمه في صمت.
