لم يكن يدرك أن خطوته التالية ستكون الأخيرة، حين تسلل بصمت نحو شاحنة متوقفة قرب ميناء بني أنصار، كما اعتاد أن يفعل هو ومئات الشباب الآخرين، في محاولة لعبور الحدود خلسة والوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط. لكنه سقط، هذه المرة، تحت عجلات الحلم ذاته.
شاب في مقتبل العمر، لا اسم له في العناوين بعد، لكنه واحد من كثيرين دفعتهم الحاجة إلى المخاطرة، والارتماء في مغامرة لا تنتهي غالباً إلا بالدموع، أو في أسوأ الحالات… بالموت.
شهود عيان تحدثوا عن لحظات قليلة لكنها كانت كافية لتحوّل محاولة للهروب إلى فاجعة. فقد توازنه وهو يحاول التسلل إلى شاحنة ضخمة كانت تستعد لمغادرة الميناء، ليسقط تحتها ويلقى مصرعه على الفور، وسط صدمة كل من كان بالقرب من المكان.
بني أنصار، مثلها مثل مناطق حدودية كثيرة في المغرب، أصبحت مأوى مؤقتًا لعشرات القاصرين والشباب الذين تقطعت بهم السبل، يحلمون بالعبور ولا يملكون غير الانتظار في محيط الميناء، على أمل أن تفتح لهم شاحنة ما طريقاً نحو أوروبا.
ورغم الحواجز، والكاميرات، والدوريات الأمنية المكثفة، تستمر محاولات التسلل بشكل شبه يومي، مشهد يتكرر بنفس التفاصيل: تسلل تحت جنح الظلام، اختباء بين البضائع، وسقوط صامت قد لا يُسمع صداه خارج أسوار الميناء.
الظاهرة، التي تحولت إلى مأساة مستمرة في إقليم الناظور، تكشف حجم الأزمة الأعمق: أزمة شباب فقد الثقة في المستقبل، وواقع اجتماعي واقتصادي لا يترك له خياراً سوى الهروب… حتى ولو على حافة الموت.
