تشهد عدة مدن مغربية حملات مكثفة تهدف إلى تحرير الملك العمومي من الباعة المتجولين، في خطوة أثارت نقاشًا واسعًا بين من يرى فيها ضرورة لاستعادة النظام العام، ومن يعتبرها تهديدًا لمصدر رزق شريحة واسعة من المواطنين الذين يعتمدون على التجارة غير المهيكلة.
ويجد هذا الملف نفسه بين طرفين متباينين؛ فمن جهة، يطالب بعض الباعة المتجولين والمتعاطفين معهم بضرورة إيجاد بدائل تضمن لهم استمرار نشاطهم التجاري، بدلًا من الحلول الأمنية التي قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية. فيما يعتبر أصحاب المحلات التجارية وسكان بعض الأحياء أن وجود هؤلاء الباعة يشكل فوضى تعيق حركة المرور، وتؤثر على النشاط التجاري القانوني، خاصة أنهم لا يتحملون أعباء الضرائب أو واجبات الكراء، ورغم ذلك يحتلون الأرصفة ويتركون مخلفات تسبب في مشكلات بيئية وصحية.
وفي ظل هذا الجدل، برزت تساؤلات قانونية حول مدى شرعية مصادرة السلطات للسلع المعروضة في الشوارع، حيث اعتبر البعض أن هذه الإجراءات تحتاج إلى إطار واضح يحفظ حقوق جميع الأطراف، ويضمن تطبيق القانون دون تجاوزات.
وفي مدينة مكناس، تزايدت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتحرير ساحة الهديم والمناطق المحيطة بها، خاصة مع اقتراب تنظيم معرض دولي يستدعي تقديم صورة حضارية عن المدينة. وتأتي هذه المطالب في ظل توافر سوق مخصص للباعة المتجولين، ما يثير التساؤل حول استمرار احتلالهم للمساحات العامة رغم وجود بدائل.
بالمقابل، حاولت بعض الجماعات المحلية اعتماد حلول متوازنة، كما حدث في جماعة عين مديونة بإقليم تاونات، حيث تم تخصيص فضاء منظم للباعة المتجولين، في خطوة لاقت ترحيبًا من بعض المواطنين الذين اعتبروها نموذجًا ناجحًا للحفاظ على النظام مع مراعاة الجوانب الاجتماعية.
ويظل التساؤل الأبرز مطروحًا: هل يمكن تحقيق توازن بين فرض النظام وحماية الفئات الهشة دون اللجوء إلى إجراءات قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع؟ الإجابة تبقى رهينة بمدى قدرة الجهات المسؤولة على اعتماد حلول مستدامة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة.