يشهد المغرب خلال 25 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس مرحلة مفصلية في تاريخ مواصلة بنائه التنموي ، مسار دشن بسلة من الاصلاحات المهيكلة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بدولة المؤسسات الدستورية من جهة وبخلق مناخ تنافسي مرفقي قوامه القضاء على الفوارق المجالية وتنمية الوطن بما يتماشى والتحديات الداخلية والخارجية .
تؤشر جميع الخطب الملكية السامية على توجهات استراتيجية كبرى تعنى أولا وقبل كل شيء بتنمية المجال ومن ثمة بلوغ الرفاهين وخاصة الاقتصادي والاجتماعي للمواطن المغربي من طنجة الى الكويرة ، خطب ملكية تضع السلطتين التشريعية والتنفيذية أمام بنك مستمر من الأفكار والتوجيهات الكفيلة والتي يتم من خلالها رسم خارطة طريق تقوم على مقومات التدبير الاستراتيجي لقضايا الشأن العامة ، وفي هذا السياق يشكل التنظيم الاداري للمملكة المغربية بشقيه المركزي واللامركزي توجها مهيكلا ومؤسسيا لمواصلة بناء دولة المؤسسات الديمقراطية والتي تضع من بين أولوياتها التدبير المرفقي القائم على مبدأ استمرارية الخدمات المرفقية والمساواة بين المرتفقين في الولوج اليها .
لقد اثبتت التجربة المرفقية المغربية في شقها المركزي عن سلة من الايجابيات التي تمثلث بالاساس في مغربة الادارة وخاصة بعد الفترة الكولونيالية ناهيك عن خلق بنية مؤسسية قادرة على استيعاب خدمات المرتفقين من جهة وضمان اضطلاع المؤسسات بادوارها الدستورية عبر بوابة المرافق العمومية ، غير أن واقع الحال ابان عن وجود جملة من الاشكالات التي تعترض مسار الولوج الى الخدمة المرفقية وخاصة فيما يتعلق بتوسيع رقعتها على مستوى كل التراب وكذا جودتها .
لتجاوز هذه الاشكالات سعت المملكة المغربية الى بناء صرح بنيوي عنوانه اللامركزية الترابية والتي تتكون من الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات ، بنية انتقلت من المحلي نحو الترابي .
عرفت الديمقراطية المحلية المغربية تطورًا متنامية، حيث تم التعاطي مع اللامركزية على اساس نظام متسلسل و ذلك انطلاقا من الميثاق الجماعي لـ 23 يونيو 1960، غير أن إعطاء الانطلاقة الحقيقية لمشروع الجهوية بالمملكة تم تدشينه ابتداء من سنة 1984، وهو ما تم تضمينه في أحد الخطب الملكية لجلالة الملك الراحل الحسن الثاني والذي تحدث فيه عن نظام “اللاندر الألماني” ومنذ ذلكم الحين اصبح التوجه الجهوي يتطور شيئا فشيئا من الناحية المؤسسية أمر تم التعاطي مع من خلال مراجعة دستور سنة 1992 ومن هذا المنطلق أصبحت الجهة مؤسسة دستورية على مستوى العمالات والأقاليم والجماعات بالجهة محليا وهو ماتم بالفعل عبر بوابة مضامين قانون 96/47 الخاص بالجهة كجماعة محلية انذاك
كما لايفوتنا التذكير في هذا الباب بمضامين الخطاب الملكي السامي
بتاريخ 19 شتنبر 2001، ناهيك عن فحوى الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بتاريخ 9 يناير 2002، والتي تم من خلالها الاعلان عن خارطة طريق استراتيجية لمواصلة البناء الديمقراطي على المستوى الترابي شكلت فيه الجهة انذاك منطلقا وإستراتيجيا للنمية وهو ما تكرس بالاعلان عن ميلاد المراكز الجهوية للاستثمار.
كما شكل الخطاب الملكي السامي 3 يناير 2010، نقطة مفصلية في تاريخ الجهوية بالمغرب والذي تم فيه تحدي فحوى ومفهوم الجهوية المتقدمة.
وعلى أساس ذلك يمكن تعريف الجهوية المتقدمة بأنها تنظيم إداري ه لا مركزي تتنازل بموجبه السلطة المركزية عن بعض الصلاحيات لفائدة الجهات المكونة للدولة، بهدف دعم التنمية الترابية عبر بوابة الجهات ومن ثمة القضاء على الفوارق المجالية وخلق ادارة القرب الترابي ، وفي هذا السياق نذكر بأن الجهة قد غدت بنية ترابية تبوأت الصدارة من خلالها وذلك اعتبارا للمقتضيات الدستورية لسنة 2011 وخاصة في بابه التاسع الخاص بالجهات والجماعات الترابية الأخرى ناهيك عن القوانين التنظيمية الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات ويتعلق الامر ب:
– القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات
– القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم
– القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات
قوانين تنظيمية تؤكد على ميلاد بنية تدبيرية مواكبة لتدبير قضايا الشأن العام عبر بوابة المرافق العامة الترابية التي تتأسس على الديمقراطية التمثيلية وانطلاقا من انتخابات الجماعات الترابية .
ونحن نتحدث عن هذا الباراديغم التنظيمي المرتبط بادارة القرب المجالي لقضايا الشأن العام ، نجد على أن الجهوية المتقدمة تشكل الأساس الاستراتيجي الذي تدور حوله مختلف البنى الترابية للشأن العام الترابي .
لذلك وانطلاقا من مواكبة التحولات التنموية والسياسية التي تعرفها المملكة المغربية ، يتم تنظيم مناظرات حول الجهوية المتقدمة ، هذه الاخيرة التي تشكل مناخا خصبا للتناظر والتحاور بين جميع الفاعلين السياسيين والترابيين والمتخصصين في قضايا التنمية الترابية وذلك قصد الوقوف عند كل الاشكالات التي تعترض تجويد المناخ الترابي عبر بوابة الجهوية المتقدمة ومن ثمة تقديم الحلول الكفيلة بتجاوزها وبالتالي الوصول الى النتائج المرجوة منها والتي تبدأ من وإلى المواطن .
ومو هذا المنطلق والمغرب يعلن انطلاق النسخة الثانية للمناظرة الوطنية حول الجهرية بمدينة طنجة فهل سيتم تقليص عدد الجهات لربح رهانات المرحلة ام سيتم اليات استراتيجية حديثة لتدبير قضايا الشان العام الترابي عبر بوابة الجهوية المتقدمة.