كشفت المندوبية السامية للتخطيط في نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، عن تراجع ملحوظ في عدد السكان في عدة مناطق من المملكة، خاصة في المدن الصغيرة والمتوسطة. وأظهرت المقارنة بين نتائج إحصاء 2014 و2024 أن العديد من المدن شهدت انخفاضًا في عدد سكانها، وعلى رأسها مدينة بركان وإقليم بركان بشكل عام، بما في ذلك مناطق مثل أحفير، بالإضافة إلى عدد من المدن في إقليمي الناظور وجرادة، مثل العروي وبني انصار. وفي مفاجأة جديدة، سجل إقليم الدريوش أيضًا انخفاضًا في عدد السكان، ليزيد هذا التراجع من التحديات التي يواجهها.
هذا التراجع فاجأ العديد من ساكنة هذه المناطق الذين كانوا يتوقعون زيادة في عدد السكان بعد مرور عشر سنوات على عملية الإحصاء السابقة. وتساءل عدد من المواطنين عن مصداقية هذه الأرقام، ما دفع البعض إلى التشكيك في واقعيتها وهل تعكس الوضع الفعلي للسكان.
وفي هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ السابق بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، المهدي لحلو، أن تراجع عدد السكان في هذه المناطق يمكن تفسيره بشكل رئيسي من خلال الهجرة القروية والهجرة بين المدن، بالإضافة إلى الهجرة الدولية نحو أوروبا. وأكد لحلو أن الهجرة بين المدن، والتي تعني انتقال السكان من المدن الصغيرة إلى المدن المتوسطة والكبيرة، قد تكون سببًا رئيسيًا لهذا التراجع. وأضاف أن العديد من سكان مناطق مثل العروي وبركان وجرادة قد انتقلوا إلى مدن أكبر مثل وجدة وفاس بحثًا عن فرص عمل أفضل. أما بالنسبة لإقليم الدريوش، فقد أشار لحلو إلى أن غالبية سكانه قد هاجروا إلى أوروبا، وخاصة إلى بلجيكا وهولندا وألمانيا.
وأشار لحلو أيضًا إلى أن الهجرة القروية والهجرة بين المدن تحدث بشكل رئيسي نتيجة لبحث المواطنين عن فرص العمل، خاصة في المناطق التي تأثرت بعوامل اقتصادية وجغرافية مثل الجفاف وتوقف نشاط مناجم الفحم في جرادة. هذا بدوره ساهم في تراجع عدد السكان في هذه المناطق.
من جهة أخرى، أكد الخبير الاقتصادي على وجود نوع آخر من الهجرة، وهو الهجرة الدولية، خاصة إلى دول أوروبية مثل بلجيكا وهولندا وألمانيا. وأوضح أن هذا النوع من الهجرة يساهم بشكل كبير في انخفاض عدد السكان في هذه المناطق.
ورغم أن بعض الدراسات تشير إلى أن تراجع نسبة الخصوبة قد يكون من العوامل التي تساهم في انخفاض عدد السكان، إلا أن لحلو نفى أن يكون هذا العامل هو السبب الرئيسي في التراجع، مؤكدًا أن تأثير انخفاض الخصوبة يظهر بشكل تدريجي على المدى الطويل ولا يسبب انخفاضًا سريعًا كما حدث في هذه المناطق.
وفي ظل هذا التراجع الملحوظ في عدد السكان في إقليم الدريوش وغيره من المناطق، تواجه السلطات المحلية تحديات كبيرة في مواكبة هذا التغير. ويجب أن تعمل هذه السلطات على وضع استراتيجيات فعّالة لتطوير البنية التحتية، توفير فرص العمل، وتعزيز الأنشطة الاقتصادية بهدف جذب السكان ووقف هجرة الشباب إلى المدن الكبرى أو إلى الخارج.